riverandglen.com
غير أن التدريب المتخصص في المجال كان يتركز بشكل أساسي على تدريس الأخلاقيات الإسلامية العامة، أو (فقه الطبيب المسلم) ضمن مناهج معظم التخصصات الطبية والصحية حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي. في بداية التسعينيات الميلادية ظهرت نزعة لتدريس منهج اكثر تخصصاً، لكن ظلت معظم مقررات الأخلاقيات يدرسها إما أساتذة في العلوم الإسلامية والشرعية وإما أطباء لهم اهتمام بالأخلاقيات، فاجتهدوا فقرأوا وألفوا مناهج مفيدة ولا شلك، غير أنه لا توجد وحدة أو قسم خاص بمسمى (الأخلاقيات الصحية) إلا في جامعة أو جامعتين. ومع بداية الألفية ازداد الاهتمام قليلاً وتم إنشاء برنامج ماجستير في الأخلاقيات بجامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية (بالحرس الوطني) والتي تخرج منها قرابة 15 خريجاً، وتم في العام الحالي 2019-2020م استحداث برنامج ماجستير في الأخلاقيات الصحية في جامعة الأمير سطام بن عبد العزيز (بالخرج) وقَبِل 10 متدربين، جميعهم من العاملين في قطاعات صحية مختلفة تابعة لوزارة الصحة. كما توالت المحاولات من هيئة التخصصات لتطوير المجال فكلفت عددا من المختصين بتأليف أول كتاب يكون مرجعاً في الأخلاقيات والمهنية للمتدربين عام 2015م ، وترجمة الدليل الأخلاقي للممارسين الصحيين في المملكة من العربية للإنجليزية.
لا يعد من قبيل المبالغة القول أن المعرفة الطبية وما صاحبها من تطور الأنظمة الصحية العالمية منذ النصف الثاني للقرن الماضي يفوق كل ما عرفته البشرية خلال المائتي سنة التي سبقته. ابتداءاً من اكتشاف المضادات الحيوية، ونجاح نقل الأعضاء وليس انتهاءاً بتسجيل الجينوم البشري، والقدرة على التعديل الجيني، ودخول الذكاء الاصطناعي في الخدمة الصحية، وما زالت العلوم -بما أتاح الله للبشر منها- تقودنا الى آفاق ابعد وأرحب، لكنها ليست بالضرورة دائماً أفضل أو أأمن. لقد جاء هذا التقدم العلمي في النجال الصحي بثمن كان على البشرية أن تدفعه. لقد أصبحت الأنظمة الصحية اكثر تعقيداً، وأصبحت توقعات المرضى أعلى وأكثر إلحاحاً، وزادت مستويات وأنواع مزودي الخدمة بين قطاعات حكومية، وخاصة، وطوعية، وأخرى تابعة لشركات التامين. وهذا ما جعل متوسط الأعمار في معظم دول العالم – لا سيما الأكثر نمواً- اعلى، مما جعل عددا أكبر من الناس يحتاجون خدمات صحية تناسب أعمارهم لفترة أطول، وثارت الجدالات الكثيرة حول مفاهيم بداية الحياة ونهايتها، وضرورة أن تكون التدخلات الصحية مرشدة وتغلب فيها المصلحة العامة – وليس فقط رغبات المريض، أو توقعاته.
صدر مؤخرا عن الهيئة السعودية للتخصصات الصحية الطبعة الثانية من كتاب اخلاقيات مهنة الطب, ومن ابرز ما تناوله الكتاب: @ اخلاقيات المهنة وانظمتها:...
كما أن عددا من المختصين السعوديين قد حصلوا على درجات الماجستير والدكتوراة من جامعات في الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة، جمعيهم تم تحمل تكاليف دراستهم لهذه السنوات على حساب الدولة عبر برامج الابتعاث، غير أن أيَّاً من هذه الشهادات لم تعترف بها هيئة التخصصات الصحية حتى الآن. ومن المعلوم أن أي مختص قد اجتهد في تحصيل درجة علمية، وتكفلت الدولة بنفقاته، يتوقع على اقل تقدير أن يحصل على اعتماد مهني وليس فقط أكاديمي لشهاداته. كما أن عدم اعتراف هيئة التخصصات لتخصص أكاديمي معتمد وافقت عليه وزارة التعليم وسددت الدولة كامل نفقاته يعكس صورة سلبية عن مدى التنسيق أو وضوح معايير التصنيف المهني، وربما التخلف عن المعايير العالمية المعتمدة في دول العالم المتقدمة – لاسيما دول مجموعة العشرين التي تترأسها المملكة حالياً. مما سبق يتضح جلياً الفرق بين وضع تدريب الأخلاقيات الصحية واعتمادها في البلدان المتقدمة الأخرى، حيث تزيد عن 100 برنامج في بلد مثل الولايات المتحدة مقارنة ببرنامجين فقط في المملكة، كما يتضح أن هناك فروقاً كبيرة بين وجود معايير اعتماد للتخصص عالمياً ، بينما ترفض الهيئة تصنيف التخصص بمسماه، مما يترتب عليه قصور كبير في عدد المختصين المؤهلين علمياً ومهارياً للتعامل مع القضايا الشائكة التي تواجه الممارسين الطبيين والإكلينيكيين كل يوم، بما في ذلك قرارات مصيرية تتعلق بالحياة والموت – حرفياً.
عروض اليوم الوطني 1439, 2024